إن التشمع
والقصور الكبدي المزمن تعبيران ليسا متطابقتين رغم أن الأول قد يؤدي لحدوث
الثاني. يتطور القصور الكبدي المزمن عندما تعجز السعة الوظيفية الكبدية عن
الحفاظ على الحالة الفيزيولوجية الطبيعية. إن مصطلح (انكسار المعاوضة
الكبدية) أو (داء الكبد المنكسر المعاوضة) يستخدم غالباً عند حدوث قصور
كبدي مزمن.
إن حالة القصور الكبدي المزمن متلازمة
معقدة قد تحدث نتيجة تخرب مخاتل في الخلايا الكبدية، ولكن من الأشيع أن
يتحرض بالعديد من الحوادث مثل نزف الدوالي أو الخمج. يتميز بالعديد من
المظاهر السريرية والمخبرية التي قد تحدث منفصلة ولكنها في الحالات الأشيع
تأتي مع بعضها البعض (انظر الجدول 21)، وهي تشمل الاعتلال الدماغي الكبدي
والحبن والوذمة المحيطية واليرقان والقصور الكلوي ونقص ألبومين الدم
واضطرابات التخثر نتيجة عوز تركيب البروتين.
الجدول 21:
المظاهر السريرية للتشمع الكبدي.
|
الضخامة الكبدية: (رغم أن الكبد قد يكون
بحجم صغير أيضاً).
اليرقان.
الحبن.
التبدلات الدورانية:
·
توسع الأوعية الشعرية
العنكبوتي، الحمامى الراحية، الزراق.
تبدلات غدية صماوية:
·
نقص الكرع (الشبق)، تساقط
الأشعار.
·
الرجال: عنانة، تثدي، ضمور
الخصيتين.
·
النساء: ضمور الثديين، طمث
غير منتظم، انقطاع الطمث.
|
اضطرابات
التخثر:
|
·
التكدم.
·
الفرفريات.
|
·
الرعاف.
·
غزارة الطمث.
|
ارتفاع توتر
وريد الباب:
|
·
ضخامة طحالية.
·
دوران رادف (جانبي).
|
·
نزف من الدوالي.
·
النتن الكبدي.
|
اعتلال دماغي
كبدي (بابي جهازي).
مظاهر أخرى:
·
تصبغات، تبقرط الأصابع،
حمى خفيفة.
|
A. السببيات والآليات الإمراضية:
قد يحدث تشمع الكبد في أي عمر ويسبب غالباً مراضةً طويلة الأمد. من الشائع
أن يظهر عند يفعان البالغين ليكون سبباً مهماً لموتهم الباكر. ذكرنا أسبابه
في (الجدول 8). أية حالة تؤدي إلى موت مستمر أو ناكس في الخلايا الكبدية
يمكنها أن تسبب التشمع الكبدي مثل التهاب الكبد الحموي والكحول والأذية أو
الانسداد الصفراويين المديدين كما هي عليه الحال في التشمع الصفراوي البدئي
والتهاب الأقنية الصفراوية المصلب والتضيقات الصفراوية التالية للعمل
الجراحي.
الجدول 8: أسباب التشمع.
|
·
أي سبب يُحدث التهاباً
كبدياً مزمناً.
|
·
الكحول.
|
·
التشمع الصفراوي البدئي.
|
·
التهاب الأقنية الصفراوية
البدئي المصلب.
|
·
التشمع الصفراوي الثانوي
(حصيات، تضيقات).
|
·
داء الصباغ الدموي.
|
·
داء ويلسون.
|
·
التليف الكيسي.
|
·
عوز خميرة a- واحد أنتي تريبسين.
|
|
إن الإعاقة المستمرة في العود الوريدي من الكبد
مثل حالة الداء الوريدي الساد ومتلازمة بود-كياري ستسبب في النهاية تشمعاً
كبدياً. يعد التهاب الكبد الحموي والتناول المديد المفرط للكحول أشهر سببين
للتشمع الكبدي انتشاراً في العالم.
من الشائع في كل حالات التشمع
الكبدي مهما كان سببه أن يحدث تفعيل للخلايا الكبدية النجمية، هذه الخلايا
المنتشرة بشكل واسع في الكبد ضمن مسافة ديس. بعد تفعيل الخلايا النجمية
الهاجعة التي تختزن الدسم تتحول لخلايا قادرة على القيام بعدة وظائف مثل
إنتاج الغراء والتقلص وتركيب السيتوكين. تعتمد هذه الخطوة على التفاعل
والتداخل مع بقية الخلايا في الكبد مثل الخلايا المتنية وخلايا كوبفر وعلى
تنبيه السيتوكين الصماوي الذاتي Autocrine ونظير الصماوي Paracrine (انظر
الشكل 12).
|
الشكل 12: الآليات الإمراضية في التليف الكبدي.
يحدث تفعيل للخلايا النجمية
الكبدية من خلايا مخزنة للشحم هاجعة إلى خلايا تشبه الخلايا المولدة لليف
العضلي وذلك أُثناء حدوث التليف الكبدي. يحدث تفعيل الخلايا النجمية تحت
تأثير عوامل خلوية (السيتوكينات) التي تتحرر من أنماط خلوية مختلفة عديدة
ضمن الكبد.
تحرر الخلايا الكبدية المتأذية
نتاجات البيروكسيد الشحمي وعامل النمو الشبيه بالأنسولين (IGF) وعامل النمو
المحول – ألفا (à - TGF)، وتحرر الصفيحات المفعلة عامل النمو المشتق من
الصفيحات (PDGF) وعامل النمو المحول – بيتا1 (TGF-ß1) وعامل النمو البشروي
(EGF)، وتحرر خلايا كوبفر المفعلة أيضاً PDGF و TGF-ß1 وبالإضافة لذلك عامل
5000mw غير المميز حتى الآن والذي يفعل الخلايا النجمية.
حالما تصبح الخلايا النجمية
خلايا شبيهة بالخلايا المولدة لليف العضلي فإنها تستطيع أن تديم تفعيلها
الذاتي بواسطة تركيب PDGF و TGF-ß1 في سلسلة من التفعليل الذاتي.
تفقد النجمية المفعلة حويصلاتها المخزنة للشحم وتصبح قادرة على تركيب
المطرق الغرائي وعلى تثبيط تحطم الغراء. تستطيع أيضاً أن تهاجر نحو
المنبهات المناسبة (الانجذاب الكيماوي) وتستطيع أن تتقلص تحت تأثير
المنبهات المناسبة وبالإضافة لذلك تكون قادرة على تركيب السيتوكينات. |
يحدث القصور
الكبدي المزمن عندما تعجز القدرة الوظيفية الكبدية عن الحفاظ على الحالة
الفيزيولوجية الطبيعية. يحدث هذا الأمر عندما تترقى الأذية الكبدية كما هي
عليه الحال في التهاب الكبد الحموي أو بعد تناول مفرط للكحول، أو قد يحدث
عندما تطرأ حالات سريرية معينة تلقي عبئاً استقلابياً إضافياً على الكبد
مثل الخمج أو النزف الهضمي. لقد ناقشنا في مواضع أخرى العوامل التي تؤدي
لتطور المظاهر السريرية للقصور الكبدي المزمن والحبن والاعتلال الدماغي
الكبدي واليرقان.
B. المظاهر السريرية:
تختلف بشكل كبير وهي تشمل أياً من المظاهر التي سنذكرها لاحقاً. لقد أكدت
الدراسات المتعاقبة المجراة على الجثث حقيقة أن التشمع الكبدي قد يكون لا
أعراضي بشكل كامل. وخلال حياة المريض قد يكشف صدفة خلال الجراحة أو قد
يترافق مع مظاهر طفيفة مثل الضخامة الكبدية المعزولة.
تشمل الشكاوى الشائعة كلاً من التعب والوهن والمعص العضلي ونقص الوزن
والأعراض الهضمية اللانوعية مثل القهم والغثيان والإقياء والانزعاج البطني
العلوي وتطبل البطن الغازي وأما بقية المظاهر السريرية فإنه تنجم بشكل
رئيسي عن عدم الكفاية الكبدية وارتفاع التوتر البابي.
إن الضخامة الكبدية شائعة، لكن مع ترقي المرض فإن ازدياد تخرب الخلايا
الكبدية والتليف ينقص تدريجياً حجم الكبد. يكون نقص حجم الكبد شائع خاصة
إذا كان سبب التشمع التهاب الكبد الحموي. يكون الكبد غالباً قاسياً وغير
منتظم وغير مؤلم. يكون اليرقان خفيفاً عندما يظهر أولاً وينجم بشكل أساسي
عن فشل إطراح البيلروبين.
يحدث انحلال الدم الخفيف في سياق
التشمع ولكنه لا يكون هاماً في تطور اليرقان. يمكن أن تشاهد الحمامى
الراحية باكراً في سياق المرض ولكنها ذات قيمة تشخيصية محدودة وذلك لأنها
تحدث في حالات أخرى عديدة مترافقة مع فرط الحركية الدورانية كما أنها توجد
عند بعض الأشخاص السويين. ينجم عنكبوت توسع الشعريات عن التغيرات الشرينية
المرافقة وانضغاط شرين مركزي والذي تنشأ منه أوعية صغيرة.
يختلف قطرها من 1-2 ملم إلى 1-2 سم،
وتوجد غالباً فوق الحلمتين فقط ويمكن أن تحدث باكراً في سياق المرض. يوجد
عنكبوت توسع الشعريات واحد أو اثنين عند 2% من الأشخاص الأصحاء ويمكن أن
يحدث بشكل عابر عند عدد أكبر من الأشخاص في الثلث الثالث من الحمل، وعدا
ذلك يكون عنكبوت توسع الشريات دلالة قوية على المرض الكبدي.
يعتبر عنكبوت توسع الشعريات الوردي
والتثدي وضخامة النكفية أكثر شيوعاً في التشمع الكحولي. إن التصبغ يكون
أكثر وضوحاً في حالة الصباغ الدموي (الهيموكروماتوز) وفي أي حالة تشمع
مترافقة مع ركودة صفراوية مديدة. تتطور أيضاً مسارب (تحويلات) شريانية
وريدية رئوية مما يؤدي إلى حدوث نقص أكسجة دموية والتي تسبب زراقاً
مركزياً، ولكن هذا من المظاهر المتأخرة.
تلاحظ التغيرات الغدية الصماوية بشكل أكبر عند الرجال والذين يبدون فقداناً
لتوزع الشعر الذكري
وضمور الخصيتين. إن التثدي يكون نادراً ويمكن أن يكون ناجماً عن الأدوية
مثل السبيرونولاكتون. تصبح
سهولة التكدم أكثر تواتراً مع تقدم التشمع ويكون الرعاف شائعاً وأحياناً
شديداً ويمكن له أن يقلد النزف الهضمي العلوي في حال ابتلاع الدم.
إن ضخامة الطحال والتشكل الوعائي الجانبي والنتن الكبدي هي مظاهر لفرط
التوتر البابي والذي يحدث في الداء الأكثر تطوراً. يقال أن البواسير تكون
أكثر شيوعاً عند مرضى فرط التوتر البابي ولكن لا يوجد دليل على ذلك. ينجم
الحبن عن المشاركة بين القصور الكبدي وفرط التوتر البابي ويشير إلى تقدم
المرض.
كذلك تغدو الدلائل المشيرة لاعتلال الدماغ الكبدي شائعة أكثر مع تقدم
المرض. تشمل المظاهر اللانوعية للداء الكبدي المزمن كلاً من التصبغات
وتبقرط الأصابع والأباخس والحمى الخفيفة. يعزى تقفع دوبوتيران تقليدياً
للتشمع الكبدي ولاسيما الناجم عن تناول الكحول ولكن هذا التلازم بينهما
ضعيف.
C. التدبير:
يشمل التدبير علاج أي سبب مستبطن معروف (سنناقش الأسباب لاحقاً) والحفاظ
على التوازن الغذائي وعلاج اختلاطات التشمع (انظر لاحقاً) كذلك يمكن تدبير
القصور الكبدي المزمن الناجم عن التشمع بزرع الكبد سوي الموضع الذي يشكل
حالياً حوالي ثلاثة أرباع عمليات الزرع الكبدي. يجرى زرع الكبد بشكل أشيع
من أجل المرضى المصابين بالتشمع الركودي ولاسيما التشمع الصفراوي البدئي
والتشمع الكحولي والتشمع الناجم عن التهاب الكبد بالحمة C.
يجب على المريض المصاب بالتشمع الكحولي أن يتوقف عن تناول الكحول. يوجد
استطبابات نادرة لزرع الكبد تشمل أمراضاً استقلابية مثل عوز خميرة ألفا
واحد أنتي تريبسين وداء الصباغ الدموي.
تشمل علامات القصور الكبدي التي تشير للحاجة لزرع الكبد كلاً من اليرقان
الشديد أو المترقي (تركيز بيلروبين المصل يزيد عن 100 ميكرو مول/ليتر في
الأمراض الركودية مثل التشمع الصفراوي البدئي) والحبن أو الاعتلال الدماغي
الكبدي غير المستجيبين للعلاج الدوائي ونقص ألبومين الدم (أقل من 30
غ/ليتر)، ومن الاستطبابات الإضافية الأخرى نذكر التعب والفتور المؤثرين على
نوعية الحياة والحكة المعندة في سياق الأمراض الركودية ونزف الدوالي
الناكس.
تشمل مضادات استطباب الزرع الرئيسة كلاً من الإنتان Sepsis ومتلازمة عوز
المناعة المكتسب والخباثة خارج الكبدية وعدم قدرة المريض على التوقف عن
تناول الكحول أو أية مادة أخرى محدثة للإدمان والتدهور الشديد في الوظيفة
القلبية التنفسية. تبلغ نسبة البقيا لمدة سنة واحدة بعد الزرع
80%، ويكون الإنذار فيما بعد جيداً.
|
EBM
|
|
|
|
زرع الكبد كعلاج للقصور الكبدي
المزمن.
|
لم تسجل تجارب
عشوائية مضبوطة حول زرع الكبد كعلاج للقصور الكبدي المزمن. على كل حال لوحظت
تأثيرات جيدة على البقيا لدى مرضى القصور الكبدي الناجم عن التشمع الصفراوي
البدئي أو التشمع الكحولي الذين عولجوا بزرع الكبد وذلك بالمقارنة مع البقيا عند
مرضى لم يجر لهم الزرع.
|
D. الإنذار:
إن الإنذار الكلي سيئ عند مريض التشمع عموماً، حيث يراجع العديد من المرضى
بداء متقدم و/أو اختلاطات خطيرة تحمل بين طياتها نسبة عالية من المواتة.
عموماً يعيش فقط 25% من المرضى لمدة 5 سنوات بعد التشخيص، ولكن عندما تكون
الحالة الوظيفية الكبدية جيدة يعيش 50% من المرضى لمدة 5 سنوات و 25% لمدة
تصل حتى 10 سنوات. يكون الإنذار أفضل عندما يكون السبب المستبطن قابلاً
للعلاج كما في حال الإدمان الكحولي وداء الصباغ الدموي وداء ويلسون.
تعطي الفحوص المخبرية مؤشراً تقريبياً فقط عن الإنذار عند المرضى. إن تدهور
الوظيفة الكبدية الذي يستدل عليه باليرقان أو الحبن أو الاعتلال الدماغي
الكبدي يشير لسوء الإنذار ما لم يكن هذا التدهور ناجماً عن سبب قابل للعلاج
مثل الخمج.
إن ارتفاع تركيز البيلروبين وانخفاض تركيز الألبومين أو كونه دون 30 غ/لتر
ونقص الصوديوم الملحوظ (أقل من 120 ميلي مول/لتر ولكن ليس بسبب العلاج
بالمدرات) وتطاول زمن البروترومبين، إن كل ما سبق يعد علامات إنذارية سيئة
(انظر الجدول 22 و 23). إن سير التشمع غير محدد بشكل دقيق لأنه يمكن
لاختلاطات غير متوقعة مثل نزف الدوالي أن تؤدي للموت بشكل مفاجئ.
الجدول 22: تصنيف Child - Pugh للإنذار عند مرضى التشمع الكبدي.
|
العلامة
|
1
|
2
|
3
|
الاعتلال
الدماغي:
|
غير موجود.
|
خفيف.
|
ملحوظ.
|
بيلروبين المصل
(ميكرومول/ليتر):
|
في التشمع
الصفراوي البدئي.
|
> 34
|
34-50
|
< 50
|
في التهاب
الأقنية الصفراوية المصلب
|
> 68
|
68-170
|
< 170
|
الألبومين
(غ/ل)
|
< 35
|
28-35
|
> 28
|
زمن
البروترومبين (تطاوله بالثواني):
|
> 4
|
4-6
|
< 6
|
الحبن:
|
غير موجود.
|
خفيف.
|
ملحوظ.
|
اجمع النقاط مع
بعضها البعض:
|
> 7 = تشايلد A.
7-9
= تشايلد B.
< 9 = تشايلد C.
|
الجدول 23: البقيا عند مرضى التشمع.
|
الدرجة وفق تصنيف Child - Pugh
|
النسبة المئوية للبقيا
|
النسبة المئوية للوفيات
الكبدية*
|
سنة واحدة
|
5 سنوات
|
10 سنوات
|
A
|
82
|
45
|
25
|
43
|
B
|
62
|
20
|
7
|
72
|
C
|
42
|
20
|
0
|
85
|
* تشمل القصور
الكبدي والنزف الهضمي وكارسينوما الخلية الكبدية.
|
ديفيدسون Davidson's
طباعة
ارسال